فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة النبأ:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(بسم الله) اسم ملك تجمل عباده بطاعته، وتزين خدمه بعبادته وهو سبحانه لا يتجمل بطاعة المطيعين، ولا يتزين بخدمة العابدين، فزينة العابدين صدار طاعتهم وزينة العارفين خلة معرفتهم، وزينة المحبين تاج ولا يتهم... وزينة المذبين غسل وجوههم بصوب عبرتهم.
مختلفون بشدة إنكارهم أمرَ البعث، ولالتباسِ ذلك عليهم، وكثرةِ مُساءَلتهم عنه، وكثرة مراجعتهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في معناه.
تكرَّر من الله إنزال أمرِ البعث، وكم استدلَّ عليهم في حوازِه بوجوهٍ من الأمثلة.. فهذا من ذلك، يقول: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}: عن الخبر العظيم {الَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} قال الله تعالى على جهة الاحتجاج عليهم.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً} ذَلَّلْناها لهم حتى سَكًنوها.
{وَالجِبَالَ أَوْتَاداً} أوتاداً للأرضِ حتى تَمِيدَ بِهم.
{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} ذَكَراً وأنثى، وحَسَناً وقبيحاً... وغير ذلك.
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي راحةً لكم، لتَنْقَطِعوا عن حركاتِكم التي تعبتم بها في نهاركم.
{وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاساً} تُغَطَّي ظُلمتُه كلَّ شيءٍ فتسكنوا فيه.
{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} أي وقتَ معاشِكم.
{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} أي سبع سموات.
{وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} أي الشمس، جعلناها سراجاً وقَّاداً مشتعلاً.
{وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} {الْمُعْصِرَاتِ} الرياح التي تعْصِرُ السحاب.
{مَاءً ثَجَّاجاً} مطراً صَبَّاباً.
{لِّنُخْرِجَ بِهِ حبًّا وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} {حبًّا} كالحنطة والشعير، {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} بساتين يَلْتَفُّ بعضُها ببعض.
وإذا قد علمتم ذلك فهلاَّ علمتم أنِّي قادرٌ على أَنْ أُعيدَ الخَلْقَ وأُقيمَ القيامة؟
فبعدَ أن عَدَّ عليهم بعضَ وجوهِ إنعامه، وتمكينهم من منافعهم...
قال: {إِنَّ يوم الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} مضى معناه.
{يوم يُنفَخُ في الصُّورِ فَتأَْتُونَ أَفْوَاجاً} أي في ذلك اليوم تأتون زُمراً وجماعاتٍ.
{وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} أي: تَشَقَّقَتْ وانفطرت.
{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} أي كالسراب.
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} أي ممراً. ويقال: ذات ارتقابٍ لأهلها.
{لِّلطَّاغِينَ مَئَاباً} أي مرجعاً.
{لَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} أي دهوراً، والمعنى مُؤَبَّدين.
{لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً ولا شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} مضى معناه. ثم يُعَذَّبون بعد ذلك بأنواعٍ أُخَرَ من العذاب.
{جَزَاءً وِفَاقاً} أي: جُوزُوا على فرق أعمالهم. ويقال: على وفق ما سَبَقَ به التقديرُ، وجرى به الحكم.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} لا يؤمنون فيرجعون الثواب ويخافون العقاب.
{وَكَذَّبُواْ بِئَايِاتِنَا كِذَّاباً} أي: تكذيباً.
{وَكُلَّ شيء أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} يأي: كتبناه كتاباً، وعلمناه عِلْماً.
والمسبِّحُ الزاهدُ تسبيحَه، والمهجورُ البائسُ يحصي أيامَ هجرانه، والذي هو صاحب وصالٍ لا يتفرَّغ من وَصْلِه إلى تذكُّرِ أيامه في العدد، أو الطول والقصر.
والملائكة يُحصون زلاَّت العاصين، ويكتبونها في صحائفهم. والحق سبحانه يقول:
{وَكُلَّ شيء أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} فكما أحصى زَلاَّتٍ العاصين وطاعات المطيعين فكذلك أحْصَى أيامَ هجرانِ المهجورين وَأيَامَ مِحَنِ الممتحَنين، وإِنَّ لهم في ذلك لَسَلْوَةً وَنَفَساً:
ثمانٍ قد مضيْنَ بلا تلاقٍ ** وما في الصبر فَضْلٌ عن ثمانٍ

وكم من أقوامٍ جاوزت أيامُ فترتهم الحدَّ! وأَرْبَتْ أوقاتُ هجرانهم على الحَصْر! قوله جلّ ذكره: {فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً}.
يا أيها المُنَعَمَّون في الجنة.. افرحوا وتمتعوا فلن نزيدكم إلا ثواباً.
أيها الكافرون.. احترقوا في النار.. ولن نزيدكم إلا عذاباً.
ويا أيها المطيعون.. افرحوا وارتعوا فلن نزيدكم إلا فَضْلاً على فَضْل.
يا أيها المساكين.. ابكوا واجزعوا فلن نزيدَكم إلاَّ عَزْلاً على عَزْل.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً}.
مُسَلَّمٌ للمتقين ما وعدناهم به.. فهنيئاً لهم ما أَعددنا لهم من الفوزِ بالبُغْية. والظّفَرِ بالسُّؤَالِ والمُنْيَة: من حدائق وأَعنابٍ، ومن كواعبَ أَترابٍ وغير ذلك.
فيا أيها المُهَيَّمون المتَيَّمون هنيئاً لكم ما أنتم فيه اليوم في سبيل مولاكم من تجرُّدِ وفقر، وما كلَّفَكم به من توكل وصبر، وما تجرعتم من صَدٍّ وهجر.
أحرى الملابسِ ما تَلْقَى الحبيبَ به ** يوم التزاورِ في الثوب الذي خَلَعا

قوله: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} آذانُهم مصونةٌ عن سماع الأغيار، وأبصارهم محمفوظةٌ عن ملاحظة الرسوم والآثار.
قوله جلّ ذكره: {رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً}.
وكيف تكون للمُكَوَّن المخلوقِ الفقيرِ المسكينِ مُكْنَةٌ أَنْ يملك منه خطاباً؟ أو يتنفَّسَ بدونه نَفَساً؟ كلاّ.. بل هو اللَّهُ الواحدُ الجبَّار.
قوله جلّ ذكره: {يوم يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقال صَوَاباً}.
إنما تظهر الهيبةُ على العموم لأهل الجمع في ذلك اليوم، وأمَّا الخواص وأصحابُ الحضور فَهُم أبداً بمشهدِ العِزِّ بنعت الهيبة، لا نَفَسَ لهم ولا راحة؛ أحاط بهم سرادُقها واستولت عليهم حقائها.
قوله جلّ ذكره: {ذَلِكَ الْيوم الْحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَئَاباً}.
هم بمشهد الحقِّ، والحَكَمُ عليهم الحقُّ، حكم عليهم بالحق، وهم مجذوبون بالحقِّ للحقِّ.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً} وهو عند أهلِ الغفلة بعيدٌ، ولكنَّه في التحقيق قريبٌ.
{يوم يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقول الْكَافِرُ يَالَيْتَنِى كُنتُ تُرَبَا}.
مضوا في ذُلِّ الاختيار والتعنِّي، وبُعِثوا في حسرة التمنِّي، ولو أنهم رضوا بالتقدير لتخلَّصوا عن التمنِّي. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة النبأ فِيهَا آيَتَانِ:
الْآيَةُ الْأُولَى قولهُ سبحانه وَتعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} امْتَنَّ اللَّهُ تعالى على الْخَلْقِ بِأَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ غَيْبًا يُغَطِّي بِسَوَادِهِ كَمَا يُغَطِّي الثَّوْبُ لَابِسَهُ، وَيَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا يَسْتُرُهُ الْحِجَابُ.
قالهُ أَبُو جَعْفَرٍ؛ فَظَنَّ بَعْضُ الْغَافِلِينَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى عُرْيَانًا لَيْلًا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّلَامَ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا؛ فَإِنَّ النَّاسَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقول إنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُهُ بِالصَّلَاةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قال: إنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَكِلَاهُمَا اتَّفَقَا على أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ فِي الظُّلْمَةِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، إثْبَاتًا بِإِثْبَاتٍ، وَنَفْيًا بِنَفْيٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَجِبُ فِي النُّورِ وَيَسْقُطُ فِي الظُّلْمَةِ اجْتِزَاءً بِسَتْرِهَا عَنْ سَتْرِ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ الْمُصَلِّي فَلَا وَجْهَ لِهَذَا بِحَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا}: امْتَنَّ اللَّهُ سبحانه على عِبَادِهِ بِإِنْزَالِهِ الْمَاءَ الْمُبَارَكَ مِنْ السَّمَاءِ، وَبِإِخْرَاجِهِ الْحَبَّ وَالنَّبَاتَ وَلَفِيفَ الْجَنَّاتِ وَكُلُّ مَا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ النِّعَمِ؛ فَفِيهِ حَقُّ الصَّدَقَةِ بِالشُّكْرِ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّدَقَةَ شُكْرَ نِعْمَةِ الْمَالِ، كَمَا جَعَلَ الصَّلَاةَ شُكْرَ نِعْمَةِ الْبَدَنِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا، وَحَقَّقْنَا تَفْصِيلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَمَحِلَّهَا وَمِقْدَارَهَا بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ لِظُهُورِهِ وَشُمُولِهِ فِي الْبَيَانِ بِمَوْضِعَيْنِ. اهـ.